أنت ضِد..أنت!


كلنا يعرف صراعات النفس مع الشيطان، لكن ماذا عن صراعات النفس مع ذاتها!
أن تنقلب عليك نفسك، ويميل قلبُك لِمَا يُغضِب خالقك، ويُفكِّر عقلك فيما يُفسِد عليك دينك ودُنياك، ويصبح جَسَدُك خائر القُوَى. شديد الكَسَل ودائمه.
أن ينقلب كُل ما فيك عليك!
دعوا لي الحديث عن ذلك.
تفتح عينيك بعد سَمَاعِك لآذان الفجر. تَشعُر كأن كُسِّرَت عظامك فجأة !
ويقول عَقلُك في صوت هادئ: لا عليك، نَم قليلًا بعد، ما سَمِعت هو الآذان فقط، لَم يظهر الفجر الصادق بعد.
لكنك تعلم أنك لن تستيقظ عند سَمَاع الإقامة. وتعلم أن إلتئام عظامك المكسورة تلك في أضعَف إرادة وعزيمة على الاستيقاظ لتلبية نداء ربك.
استعذ بالله وانهض أيها الكسول، توضَّأ وصلَّ. ثم نَمْ قدر ما تُريد.
وحُسِمَت الجولة الأُولى بفوزك وهزيمة نفسك الأمَّارة بالسوء.
وتبدأ الجولة الثانية.
نِمت بعدما صليت الفجر. فتحت عينيك مُجددًا لتنظر إلى الساعة وتجدها مُشيرة إلى الثامنة.
" لا أعمال لديك اليوم يا صديق، ولَم تَنَل كفايتك من النوم. أَغمِض عينيك واستَرِح قليلًا بعد ".
قالها عَقلُك في دهاء.
لكنك نمت قدر ما تنامه في يومين! وقال عَقلُك ما قال لعِلمه بأن الآن موعِد وِردِك القرآني. وكِلانا يعلم أنه لو كان استيقاظك لِشيءٍ لا يُفيد لقفزتَ من سريرك قَفزَة أَرنَبٍ نشيط!
قُم وانفض عنك الكسل وافتح كتاب ربك! أتنام ثلث عُمرك وتُضيع باقيه!! انهض نهوضك لمشاهدة التلفاز او العبث بهاتفك، فلن يُدخِلَك سريرك الجنة.
أَغمَضتَ عينيك وفضلَّت الكسل..
وظننتَ أنك غفوت لدقيقتين أو ثلاث.
الآن افتح عينيك. مفاجأة!
الساعة أصبحت العاشِرة أيها الكسول.
وانتهت الجولة الثانية. غَلَبَتْكَ نفسك الأمّارة بالسوء أيها الغَبي.
وتبدأ الجولَة الثالثة.
بعد نهوضك - الكسول جدًا - من السرير، تُمسِك مصحفك أخيرًا وتشرع في قراءة وِردك.
لكنك تشعر بالتعب بعد مدّة، فتنهض لأخذ استراحة "قصيرة" . وكأن الكلمة الأخيرة ستحدث يومًا.
أمسَكتَ هاتفك، وأثناء تصفُّحك المعتاد وجدتَ أمامك مقطعًا موسيقيًا نشره أحدهم.
اشتقتَ للموسيقى، اشتاق قلبك لِمَا كان يومًا غِذاءً لها.
" اسمعه، هي بضع دقائق لا أكثر ". كانت تلك هي الجُملَة الوحيدة لعقلك في هذا المشهد.
لكنك تعلم حقيقة ما ظننتَه غذاءً لروحك وقلبك. سُمُّ قاتِل.
تَخيَّل معدنًا مُذابًا في أذنيك عند سماعك لهذا السُم.
أغلَقتَ المتصفح، أحسنت. ها قد فُزتَ بالجولة الثالثة.
وتبدأ الجولة الرابعة بعد الإستراحة التي طالت لساعة وربَّما اثنتين.
عُدتَ أخيرًا لمُصحفك. وأدركك عقلك قبل قراءة الآية الأُولى قائلًا : " قرأت كثيرًا اليوم. لا تُحمِّل نفسك فوق طاقتها. كفى لهذا اليوم وأكمِل غَدًا.
لِمَ لا تفعل شيئًا آخر؟ كقراءة رواية او رسم شيء؟ ".
لكنك تعلم أنك مهما قرأت كثيرًا فذنوبك تبقى أكثر بِلا شَك! وأن الروايات وغيرها لن تكون مصدر حسنات تُذهِب سيئاتك.
سَمِعت ضجَّة خارج غُرفتك فذهبتَ لاستطلاع الأمر. بقيت كثيرًا في الخارج. لنأمل أن تكون عودتك للمصحف لا لغيره.
ولَم تُحسَم الجولة الرابعة بعد. ومللنا نحن من المشاهدة.
كفانا لهذا اليوم، فتلك الجولات مستمرة طوال اليوم، بل طوال عُمرِك!
كلما هممت لفعل طاعة تجد نفسك الأمّارة بالسوء بالمِرصاد.
هي كوَحشٍ مفترس، بحاجةٍ لترويضك المستمر لها دون غَفلَة عنها.
هي ذكيَّة، وكذلك أنت.
هي خبيثة، وتستطيع كشف خُبثِها.
حِيَلِها كثيرة، وبراعتُك ومهارتُك في كشف تلك الحِيَل وهزيمتها فيها كبيرة. وذلك بعدم اليأس والإستسلام، ومعرفة نقاط ضعفك ومحاولة التغلب عليها باستمرار.
صراعاتكما مستمرة طوال حياتك، مَرَّة لها ومرّة لك.
المهم ألَّا تستسلم أبدًا، ولا تدعها تسيطُر عليك بحبّها للدنيا. أبقِها تحت سيطرتك وقُدهَا لرِضوان خالِقكما، ولِما لا يُقارَن كل جميل الدنيا بأصغر شيء فيها .

Comments

Popular Posts