أَفِق يا صديق!


-صِف لي شعورك إذا كان موتك بعد دقيقة واحدة من هذه اللحظة.
دقيقة واحدة فقط.
أيَتَمَلَّكُكَ الخوف والهَلَع أم أنّه لا فرق بين الموت والحياة بالنسبة لك؟
خَبّرني ماذا ستفعل في آخِر دقيقة في عُمرك.
عَلَا التوتُّر وجه صديقه، فأَكمَل :
- بالتأكيد ستترُكني أُكمِل ثرثرتي هنا وتنهض مُسرِعًا. ربّما ستُمسِك كتاب القرآن الذي علاه التراب لعدم لمسك له منذ زمن وتَقرَأ كل كلمة تقعُ عليها عَيناك.
أو ستَركُض لتَتَوضّأ وتُصَلّي ركعتين تَأمل أن يَتَقبّل الله بِهِمَا تَوبَةً أجّلتَهَا كثيرًا.
أم أنّك ستظَلّ جالسًا أمامي هنا بّلا حَراك مُتسائلًا هل تُدخِلُك حَسَناتُك الجنّة أم طَغَت سيئاتُك عليها فَتَهلَك؟! رُبّما سَيُتَمتِم فَمُكَ المُرتَعش بأَيّ ذِكْرٍ يَحضُر ذِهنك المُشوّش .
حَسَنًا، إنتَهت الدقيقة.
وأنا هُنا مُمسِكًا بجَسدِك المُرتَجِف، ولا زِلتَ حيًا، فَاحمِد الله.
صَمَتَ إلى أن هَدَأ صديقه قليلًا وحَمَد ربّه، ثم حَمَد الله هو أيضًا، وأَكمَل:
لكن رُوَيدك. لا تطمَئن لهذه الدرجة.
لا يزال احتمال موتك في أي لحظة قائمًا.
والأمر ذاته معي ومع كل حَيّ في الكون.
قد أموت وأنا أقول ما أقول الآن، بمُنتَهى البَساطة!
وقد تموت وأنت تسمعني الآن، بمُنتهى البساطة ايضًا!
قام صديقه من مكانه في عصبية وتَمتَم ببِضع كلمات في صوت لم يُسمَع، لكن الأوّل قاطعه وقال :
حاول أن تُجَارِي عقلي - الذي أظُن أنك أَسمَيتَه مريضًا للتوّ - قليلًا ،وائذَن لي بِأَخذ دقيقتين أُخرَيَين من وقتك - الذي صار ثمينًا فجأة - .
صمت إلى أن عاد صديقه لمَجلِسِه، ثم قال:
كُلّنا تُلهينا الدُنيا وتُنسينَا الهَدَف الذي جئنا إليها لأجله، هو عِبادة الله وطاعته جَلَّ وعَلَا .
الأهداف الأُخرى التي وَضَعتها لنفسك - مهما بَدَت مُهِمّة لك - أَقَلّ أهمّية من هذا الهدف . فإمّا أن تَجعَل من أهدافِك تلك وسيلة للوصول للأوّل، أو تُعيد ترتيب أولويّاتك وتَضع كل شيء في مكانه الصحيح. وحاول تَذكير نَفسِك وغيرك بذلك دائمًا.
ضَع دُنياكَ الفانية في جِهة وآخرتك الباقِيَة في الجِهَة الأُخرى، لا أظُن أن هُناك مَجال لأبسط مقارنة بينهما.
فأَتعِب نَفسَكَ الكسول تلك قليلًا لأجل راحة وسعادة أبَدِيِّيَن. أَتَرضَى لنفسك دُنيا ملأى بالصراعات والإبتلاءات وآخرة في الجحيم؟!
لم أقُل جديد؟!، أَعلم، أَصغِ إليّ وتَحَمّل ثرثرتي لدقيقة أخيرة وسأترُكك، أعِدُك.
الدُنيا، نَفسُكَ الأَمّارة بالسوء، والشيطان. ثلاثة أعداءٍ مُتَّحدين مُحاولين بإستمرار جَعلَنا تحت تأثيرهم بما يُشبه التنويم المِغناطيسي.لنكون كدُمَى مُعَلّقة بالحِبال التي تُمسكها ايديهم بإحكام فنفعل ما يشاءون. مِنَّا مَن يستيقظ لبُرهة مُدرِكًا ما يَحدُث، مُحاولًا تخليص نفسه من الحِبال ثم يعود لسُباتِه العميق. ومِنّا مَن يُدرك ما يحدُث مُستمتعًا بالعرض الذي يُشارك فيه. ومِنّا مَن لا يُدرِك أنّه يُتلاعَب به حتى!
ثم أَكمَلَ في ثقة :
وقَد مَنَّ الله علينا بالإستيقاظ من سُباتنا العميق يا صديق، وأُخطّط لإستِغلال هذه المِنّة في مُحاولة إيقاظ الآخرين. لا تزال أمامنا فرصة لتصحيح أخطائنا وتنبيه وتذكير غيرنا لتصحيح أخطائهم، لا نزال أحياء.
صَمَت وأمسَكَ يَدَي صديقه بنَظَراتٍ تحمل نفس الثقة التي تحملها كلماته ثم قال : فَهَل تَكون معي في هذا يا صديق؟
أجابَت نظرات صديقه على سؤاله وأومأ برأسه إيجابًا، وبدأ نقاش جديد بينهما حول كيفية تنفيذ خُطّتهما الجديدة.

Comments

Popular Posts